فقدان الضمير نهاية المسير .
.فقدان الضمير نهاية المسير .
**********************
كتب : حازم محمد سيد أحمد
يقول الله تعالى ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾هذه النفس الإنسانية هي النفس الأولى عند الله عز وجل، لأن الله عز وجل حينما قال:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
كان الإنسان بهذا القبول وهذا الحمل المخلوق الأول عند الله عز وجل، فلذلك سخر الله عز وجل له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، هذا الإنسان هو المخلوق الأول، فطره فطرة رائعة، جبله أو فطره أو بتعبير معاصر برمجه على نمط عجيب، أن هذا الإنسان إذا أخطأ، أو ارتكب خطأً، يكشف خطأه بذاته، وهذا ما يسمى بالفطرة، فطرته سليمة تتوافق مع منهج الله توافقاً عجيباً، توافقاً تاماً، فالنفس حينما تنحرف عن منهج الله عن وعي أو عن غير وعي، عن إرادة أو عن غير إرادة، هذا الانحراف تكشفه هي بذاته:
(( وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ)) وربنا سبحانه وتعالى قبل ذكر النفس ذكر الشمس وضحاها، وذكر القمر إذا تلاها، والنهار إذا جلاها، وذكر الليل إذا يغشاها، والسماء وما بناها، وذكر الأرض، وبعد هذه الآيات الكبيرة ذكر النفس، وقد تكون النفس أعظم من كل هذه الآيات، ورد في الأثر أن: " ما وسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن "، ربما كانت النفس الإنسانية هي المقصودة من تسخير السموات والأرض:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
وسخر لكم السماوات والأرض، والسماوات والأرض وما فيهن مسخرة لهذه النفس الإنسانية، فربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾
كيف سوى ربنا سبحانه وتعالى هذه النفس؟ نحن اليوم نُعنَى بالجسد، والحضارة الغربية بأكملها وبكل أنواعها مَعنية بالجسد، والجسد مصيره إلى ما تعلمون، فكل هذه الجهود الجبارة التي تبذل من أجل العناية بهذا الجسد تنتهي عند الموت، وعند الموت سيواجه الإنسان نفسه التي دساها وأهملها ولم يسمُ بها ودنسها وسوف تعذبه إلى أبد الآبدين، حتى إن بعضهم لخص الحضارة القائمة على الدين بأنها حضارة تسيطر على ذات الإنسان المؤمن المنضبط، وفسر بعضهم الحضارة المادية بأنها سيطرة على المادة، لكن الأديان والدين الإسلامي بشكل خاص جوهره السيطرة على الذات أو على النفس.وحديث وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي رواها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيّاً، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ))
الإحسان، صدقوني إذا قلت لكم أنكم جميعاً وجميع بني البشر إنما أتوا إلى الدنيا من أجل الإحسان وإن الإحسان هو ثمن الجنة وأن المحسن هو قريب من الله عز وجل، وأن الذي يأتيه ملك الموت لا يندم إلا على العمل الصالح.
الإحسان أيها الأخوة، جاء في القرآن الكريم مقروناً بالإسلام، ومقروناً بالإيمان، ومقروناً بالتقوى، فالله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾
فلابد للإنسان من الوعيى لأنه لو كان واعيا فلابد أن يدرك الحقائق من خلال قوة روحية لا يمتلكها إلا حين يتبع ضميره ، ألا وهى الحكمة لأن كل موقف يتخذه الإنسان بناء على حكم ضميره يساعد فى تعزيز حكمته ، وهنا لابد من الإشارة إلى تعريف الحكمة وتختلف الحكمة عن الزكاء ، فقد يكون الإنسان على قدر كبير من الزكاء والمعرفة ولكنه يفتقر إلى الحكمة ، لأنه لا يصفى ضميره فيتفهم ويدرك الحقائق التى تدور حوله إذا نظرنا إلى سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام فقد وجد ربه عن طريق إصفائه لصوت ضميره مصداقا لقول الله تعالى(( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الأفِلِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ))فالضميرهو المستودع الداخلى الذى تكمن فيه منظومة القيم والمبادىءوالمعايير الأخلاقية لدى الإنسان ، وهو المعيار الذى يميز به بين الصواب والخطأ ، والحسن والقبيح ، والمقبول والمرفوض ،وهو القاضى الذى يكمن داخل كل انسان فيحاكمه ويحاسبه على ماقدمت يداه من خير او شر وقدينزل به عقابا يتمثل فى لوم الذات والشعور بالذنب اذا ماقترف اثما ويكافئ صاحبه بالشعور بالرضاوالإرتياح إذا مالتزم بما يمليه عليه من ضوابط وأحكام .
حازم محمد سيدأحمد
ليست هناك تعليقات: